هل يجب أن نقف دوماً عند نهاية الأشياء . أو عند بدايتها. أقصد هل يجب
أن نتحدث عن اللحظات الفاصلة بين فترتين . كأن تكتب احتفاءً بسنة جديدة . أو أن
تكتب عن انقضاء إجازتك اللعينة النتنة مثلاً . بالطبع لا !
لو كنتُ أعي نفسي عندما كنتُ طفلة لرغبت بالكتابة عن اللحظة التي
وقفتُ فيها ، عندما وقفتُ وارتجفت قدماي ، ثم وقعت . هل حصل ذلك!؟ لا أدري . ولم
يخبرني أحد بذلك .
سأحبُّ أن أكتبَ عن آلةٍ موسيقية سأشتريها في الغد . الغد أعني
المستقبل . ربما بعد شهر . أو بعد عام . أو أنا لا أدري . سأكتب عن أول درس موسيقى
. عن صبر الأستاذ . لا ! ربما تكون معلمة .. إن كانت هذه الآلة عود . سأخبر
الأستاذ أو المعلمة عن مقطوعة ترنيمة العود . أو الفجر الثاني . وسأقول لهم أنني
أريد أن أعزف هذه المقطوعة التي فتنتني منذ سنوات . ولا زلت أنتظر اللحظة التي
سأكره فيها هذه المقطوعة . تماماً مثلما أحببتُ بعض الأشياء ثم كرهتها بلا سبب ،
وبكل بساطة . وكأن شيء لم يحصل !
والآن أكتب عن أنا في حضرة
الفراغ ، أنا بلا جامعة ، بلا نعاس ، بلا
باص ، بلا جبال اعتدتها وأعتدات عليّ في النهار مرتين ، بلا درجات ثلاث طوابق
تقتلني أنا التي تكره المشي ، وصعود الدرج أكثر من أي شيء آخر . أنا بدون توتر
امتحانات نهاية الفصل لأن معدلي التراكمي يريد هو لا أنا أن يصبح ثلاثة لا أقل ولا
أكثر ، أنا بعيداً عن محادثات مباشرة مملة وفضولية ع الأغلب أو هكذا أنا أشعر . بعيداً
عن بائع علكة على الرصيف ، أو بائع جوارب بألوان فاتنة .
وبالنسبة للزمن ! هل سبق أن قلتُ أنه سريع ؟ لا إنه بطيء ! أعني هو
سريع وبطيء بنفس الوقت ، وأنتِ تبتسمين أحياناً كلما أنهيتِ فصلاً دراسياً على
أساس أنكِ تقتربين من يوم التخرج . غباء! الأمر أشبه بشخص يفرح كلما كبر عاماً
علماً بأنه يقترب من الموت على أساس أن الكبير في السن هو الذي يموت قبل غيره!
لا داعي لهذا الفرح الأهبل ، هذه المرحلة من الحياة أقصد التي
تعيشينها الآن إذا استثنيتِ منها الإجازات الباردة الكئيبة : عادية وجميلة بنفس الوقت ، تشربين القهوة ،
تسمعين فيروز و أميمة خليل ، وقلبك ينبض بشدة لدرجة أنه يوشك أن ينفجر أحياناً .
وعن القراءة . فأنتِ تقرئين على صوت مقطوعة موسيقية تشعرين أحياناً
أنها جنازة! المشكلة أنكِ أحببتها وإن كانت بنظر أذنيكِ جنازة ، تفكرين أحياناً بترك
القراءة إلى الأبد ، وعيش الحياة هكذا على تفاهتها وقذارتها ، ما تعرفينه ، أن
القراءة لا تخفف وطأة الإحساس بتفاهة الحياة ، لكنها وحدها تُغيّبك عن العالم ،
تنقلك من الهم الشخصي ، إلى هم أشخاص آخرين ، وهمهم ينسيكِ همك . أيّ تفاهة هي
التي أنتِ فيها .؟
تأخر الوقت ، وأميمة خليل تغني منذ الأمس وكأنها تريد أن تأكد لي أنني
لست وحيدةً مع هذا الليل ، أقصد الفجر أياً كان ..وضعتُ النقطتين ..سكتُ ..هي تغني
..إيمتى الأيام رح تصفالي ..وهكذا !