مدخل : يقول طاغور
: "إننا نعيش في هذا العالم حين نحبه " .
وأنا أقول :
" أن الإنسان ، ولكي يحب هذا العالم ،فهو ليس بحاجة إلى أكثر من شيء أو شخص
يجعل هذا العالم بالنسبة له ، مكان يصلح للعيش "
وأقول أيضا :
"أنك ،ولكي تكره هذا العالم ، فأمامك مئة سبب وسبب كي تكرهه فعلياً "
وأقولُ من جملة ما أقول أنه
لا بدّ لي من قراءة أولى . قراءة أولى لكل شيء ، ولأي مادة دراسية ،أعرّج بها ومن خلالها على كل جملة ، كلمة كلمة ،حرفا حرفا ، حتى لو لم أفهم شيئاً ، فإنها قراءة
لا بدّ منها ، كي يصبح الفهم شيئاً ممكنا !
شيءٌ كهذا ، لم
ولن أستطيعه ، أو يستطيعه أي بشري من أن يفعله مع الحياة ، إذ لا مجال لقراءة أولى
. وأننا ولكي تتاح لنا فرصة ذهبية كهذه ، فلا بدّ لنا من أن نحيا على هذه الأرض
مرتين ، الأمر الذي لن نستطيعه جميعاً بالدرجة الأولى ، والذي لا أرغب به أنا
شخصياً بالدرجة الثانية !
لعلّ قراءة كهذه
كان لا بدّ لها من أن تساعدني ولو قليلاً على فهم الكثير من الأشياء ، ولا أريد أن
أبالغ بالقول : كل الأشياء التي تستعصي على الفهم . بدايةً من هذا العالم المنقسم
إلى إلى عوالم متنوعة وكثيفة تكاد تكون منعزلة تماماً عن بعضها ، بل إن الواحد
منها يكفي ليكون عالماً قائماً بذاته !
ففي الجامعة ، هذا
العالم الضخم الذي أنتمي إليه ، والذي يزيد عدد طلابه عن سكان مدينتي ، طلابُ في
مقتبل العمر ، معبئين بالأحلام والأماني ، طافحين بالعنفوان واللامبالاة ،وأشياء
أخرى . يكاد همّ الواحد منهم وبالنسبة للغالبية ، لا يتجاوز المواد الدراسية
والامتحانات ، وبالكاد يعرفون أو يشعرون بالعوالم الأخرى القريبة جدا منهم . فعلى
مسافة لا تحتاج إلى أكثر من 10 دقائق مشيا على الأقدام ، "عالم" ، عالم
آخر تماماً ،مختلف بكل أبعاده وتفاصيله عن عالم الشباب والأحلام ، لا بل إنه على
النقيض تماماً !
تقدمك لهذا العالم
لافتة بيضاء ، مكتوب عليها : "جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني \دار المسنين\
تأسست عام 1952م"!
هناك : حيث تتلاشى
الحواس وتنطفىء واحدة واحدة ، هناك ، حيث تصغر الأحلام وتختفي كما لو انها لم تكن
، وتصغر الرغبات وتتواضع إلى حدّ أنها تُختَصر في قطعة حلوى !
هناك :حيث الحاجة
هنيّة ،تشارك الغرفة مع ثلاث مسنات أخريات ، أدخلُ أنا إلى الغرفة ، وما إن أضع
يدي على كتفها حتى تصحو من غفوتها .تعدّل هي جلستها قليلاً ، وأجلس أنا عند نهاية
السرير ، تسألني أسئلة غايةً في العادية والروتينية عن أشخاص تعرفهم ، ثمّ ولا
أدري كيف ، يتغيّر مسار الحديث ، لنصل إلى بيتها المؤلف من غرفة يتيمة . أدقق أنا
في وجهها ، وأرى كيف تردع الدمعة فترتد إلى الداخل !
وعند الوداع ،
تصافحني وتقبلني كما لو كانت تصافح مدينتي بأكملها ، المدينة والبيت ، والمعارف ،
والذكريات الجميلة والحزينة ، وكل كل شيء !
مخرج: هل أحزن
لأنني فتحت باباً يسدّ الأفق ، ويقطع أي يدٍ للأمل تمتد !
أم أبكي لأنني
أحاول أن أحب الحياة فلا أستطيع !