عندما
كنت صغيرة في يوم ما ، كانت الحياة بالنسبة لي محض واجب بيتي ، أكتبه فتنتهي كل
متاعبي ، أذكر أنني كنت ألعب مع بنات وصبيان الحارة ، يا الله كم كنا سعداء ، الآن
كبرنا كلنا ، كلنا ، لم يبقى أي منا صغير .. وأنا لا زلت أذكر نفسي عندما كنت في
روضة الأطفال ، روضتي كان اسمها ، "روضة أطفال السلام" ومديرة الروضة
كان اسمها عائشة ، ومعلمتي "لوليتا" ..وكم أبدو أنا مضحكة عندما ألتقي
بمعلمتي هذه ، أنظر إليها ، أفكر كثيراً ، هل أصافحها ؟ هل تذكرني ؟ هل أذّكرها بي
؟ ..وتدور الأسئلة في عقلي ، المشكلة أنني كبرت كثيراً ، فكيف لها أن تذكرني سيما
أنها قد درّست الكثير من الأطفال بعدي ..
أذكر
بعض الوجوه من تلك الأيام ، لا زلت أذكر ذلك الطفل الذي كان يرجوني لأسمح له
باستخدام ممحاتي ، حتى أنه ألّح عليّ مرة وحلف لي أنه سيرجعها فصدّقته ، ولكنه
كعادته أكلها !
أذكر
طفلين ، هما بلال وزكريا ، لم أكن أحبهما على الاطلاق ..وأذكر الدكان الذي كنا
نتردد عليه كثيراً ، وصاحب الدكان كان "أبو سمير" ، أشترينا من محلّه
الكثير الكثير من الأشياء ، وإن لم تخنِ الذاكرة فأولى دفاتري كانت من هناك ، لا
أدري لماذا أذكر الآن تلك اللحظة ، يوم ذهبت مع أخي إلى هناك ، وقتها وقفنا أمام
الثلاجة واحترنا أي نوع من المثلجات نشتري ، وقتها اقترح علينا أن نشتري بوظة
اسمها "تروبيكا " وللأمانة كانت لذيذة ، أما اللحظة الأكثر التصاقاً
بالذاكرة فيما يتعلق بهذا الدكان ، فتكمن يوم جاءتنا أمي في الخامسة صباحاً ،
وسألت أخي هذا السؤال :عمو أبو سمير امبارح بالليل كان منيح ؟ ..وقتها استغربنا
السؤال ، أبو سمير توفي ، المشكلة أننا اشترينا منه الليلة الماضية وكان بخير ،
لكنه رحل ، راح عمو أبو سمير ، وراحت الدكانة ، وراحت الروضة ، وراحت الدنيا
..ورحنا!
أذكر
آخر حفلة شاركت بها في الروضة ، حفلة تخرجنا ، والتي عُقدت في الدار البيضاء ، وهي
عبارة عن مركز للمعاقين ، وقتها رقصت مع الأطفال على أغنية "طيري طيري يا
عصفورة" لريمي بندلي ، وكنت أرتدي تنورة برتقالية وكنزة بيضاء اللون ومكتوب
على صدرها "روضة أطفال السلام" باللون الذهبي ..
ومضت
الأيام ودخلتُ المدرسة ، وكانت أقسى اللحظات هي تلك التي أرى فيها وجه مديرة
المدرسة ، ظلت حتى وقت طويل مصدر خوف بالنسبة لي ، كانت سمينة ، وتضع نظارة تصير
سوداء في الشمس ، كانت عصبية ومخيفة جدا ..
أنا
حتى اللحظة لا أنسى يوم تعرضت أنا ومعظم زميلاتي في الصف للعقاب الجماعي ، المشكلة
أنني حتى اللحظة أرى أننا لم نستحق العقاب ، واللهِ لم نستحق العقاب ، يومها كنا
مستعدّين لحصة الرياضة ، لا بل كنا متعطشين لها ..هي كانت محض حصة يتيمة في
الأسبوع ..كيف لها أن تضيع ! كيف ؟ هل سننتظر حتى الأسبوع القادم لكن ! خذلتنا السماءُ فأمطرت ، وقتها ..قالت
المعلمة .. من يريد أن يخرج ليلعب ، فليخرج .. وخرجنا معظمنا ولعبنا ، ولكن يا
فرحةً لم تكتمل ، جاءت المديرة وضربتنا كلنا ، لا أدري لماذا ؟ يبدو أننا ألححنا
على المعلمة وقتها ، فخيّرتنا بين الخروج والبقاء في الصف ، وقتها لم يدر في خلدي
أنني سأعاقب ..عوقبت وانتهى الأمر ..
أذكر
حصة اللغة العربية ، أذكر كيف كانت المعلمة تُغرِقنا في المعلومات النحوية ، وقتها
كنت أحب الدراسة جداً جداً ، كنت أكتب كثيراً ، تقريباً كل ما يقال في الحصة ، كنت
أحشر المعلومات هنا وهناك ، ثم أقلب الكتاب وافتحه من الخلف وأكتب على الصفحات
البيضاء الأخيرة المتواجدة هناك .. أذكر مرة ، كيف ضاع دفتر اللغة العربية ، وكيف
بحثت عنه كثيراً ، كانت هذه بالنسبة لي من أبشع المصائب التي قد تحل بالإنسان ،
وبعد اليأس الذي حل بي ، اشتريت دفتراً جديداً ثم أعدت الكتابة مرة أخرى ، مرت
فترة لأكتشف فيما بعد أن زميلة لي اسمها أميرة قد سرقته ، أنا اكتشفت الأمر بنفسي
، ونظرت إلى حيث كنت قد كتبت اسمي عندما كان الدفتر لي فلم أجد اسمي ، بل كان مكان
الاسم فارغاً ، يبدو أنها حاولت أن تمسح الاسم ، إلا أنها لم تستطع القيام بذلك ..
وأذكر
كيف كانت دلال ..وهي الفتاة التي تجلس بجانبي تحاول أن تغش عني في الامتحان ، ويا
لخيبة أملها ، فقد كانت تغش اسمي حتى !! .. لا أذكر أنني كنت أضحك على دلال أو على
غيرها من الفتيات الضعيفات في الدراسة ، أما أن أكون فعلتها ونسيت ، فهنا اعتذر
اعتذر من القلب !
أذكر
،، أذكر ..إحدى الامتحانات ..امتحان لغة عربية ،، وقتها نسيتُ سؤال ب5 علامات
..هذا كان خطأي الوحيد بالامتحان ، تباً له من خطأ .. المشكلة أنني أديت الامتحان
، ثم بقينا في المنزل حوالي أسبوعين ، لا أذكر لماذا بالضبط ، إما أنها كانت إجازة
العيد ، أو منع تجوال من اليهود ، أو الاثنتين معاً ..وبقيت طوال هذه المدة أحاول
أن أتذكر ، هل نسيت السؤال فعلاً أم أنه مجرد قلق ..
ولا
زلت أذكر أنني في الصف الخامس أو الرابع قد حصلت على 16\20في امتحان الرياضيات
الفصل الأول ، وفي الفصل الثاني حصلت على 20\20..
يا
الله ..أذكر أنني كنت أقلق كثيرا كثيرا ، كان قلقي أكبر من حجمي ، كان قلقي أطول
مني ، مع ذلك كان لي إرادة من حديد ..
*الفوضى التي كتبتها ، مجرد محاولة لأمسك بخيط الطفولة الذي أفلت مني منذ زمن ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق